يا معلمي العالم، ارشدوا (2) : من ضغط البرنامج إلى ضغط الروح
ماذا نفعل، هذا هو البرنامج، نحن مطالبون بإتمامه، وهذا هو المنتظر منا؟ هذه عبارة،
أو مكُّوك من العبارات مجَّتها الآذان، وصدِئت منها القلوب، وتبلَّدت على إثرها الأحاسيس، وتغابت جرَّاءها العقول والأفئدة؛
وهي لطالما شُهرت مثل "سيف خشبي متآكل" أمام كلِّ محاولة للإصلاح، وكلِّ مبادرة للتغيير؛ كأنَّ "الضغط، والبرنامج، والمادَّة... ومرادفاتها صارت هي الآمر الناهي،
وتحولت إلى بعبع مخيف، أو حتى إلى إله يعبَد"...
ولذا، سجَّل الأستاذ علي عزت هذه الملاحظة الجديرة،
وقال: "في هذه الأيام من الممكن جدًّا أن نتخيَّل شابًّا قد مرَّ بجميع مراحل التعليم، من المدرسة الابتدائية حتَّى الكلية، دون أن يكون قد ذُكر له بالضرورة أن يكون إنسانا خيِّرا وأمينًا. فهو يتعلَّم أوَّلا أن يكتب ويحسب، ثم يدرس الطبيعة والكيمياء، وعلم الأعراق، والجغرافيا، والنظريات السياسية، وعلم الاجتماع، وعلوما أخرى كثيرة. إنه يجمع عددًا هائلا من الحقائق، وعلى أحسن الفروض يتعلَّم كيف يفكِّر، ولكنَّه لم يستنر ثقافيا أو روحيا"...
أي أنه عُلِّم أن يكون "حيوانا اجتماعيا"، وفق قاموس "داروين" علِّم أن يكون قردا متطوِّرا متحضرا، لا إنسانا مسؤولا.
وفي هذا المعنى يُبدع المسيري حين يفرِّق بين "الحقيقة والحقائق"، وحين يضع حدًّا فاصلا "بين العقل الفوتوغرافي الغبي والعقل التوليدي الذكي"،
ذلك أنَّ التعليم ينحو غالبا إلى سرد الحقائق مشتتة، وعرض الجزئيات، وتحفيظ التفاصيل؛ مغفلا الحقيقة، والكلِّيات، والأسباب؛
أي أنه يتعامل مع "آلة تصوير"، و"مسجلة"، و"أم بي3" (MP3)... يُنتظر منها أن تعيد ما خزِّن فيها؛ لا مع عقلٍ له القدرة على أن يبدع، ويولِّد، ويأتي بالجديد.
ويضيف فتح الله كولن: "في حقيقة الأمر، فشلُك في النظر إلى المسائل من خلال نظرة كلّية، سوف يؤدّي حتمًا إلى الإفراط أو التفريط...".
...يُتبع
يا معلِّمي العالَم، ارشُدوا! (1) : الصبيانية وروح العصر
---------------------------------------------------------
0 تعليقات:
أضف تعليق