{

عجب في عجب

عجب في عجب

  • مشاركة المقال :

عجب في عجب

ما شدني لأكتب ما سأكتبه الآن هو عجب ينتابني ويؤرقني ولا أجد له جوابا أبدا. رغم أنه حاضر أمام عيني وجاهز لفك شيفرته لكن شيئا ما بداخلي يمنعني ويدفعني لأبحث عن جواب آخر.
في كل موقف تعليمي أو تربوي أواجه صنفان من التلاميذ. صنف يجعلني امتلئ سرورا وتفاؤلا. ويجعلني أرى وبكل وضوح ملامح جيل التمكين. وصنف آخر يجعلني أُفرغ تماما من أي أمل ويشحنني بطاقة سلبية. ويجعلني كمن يلتفت يمينا ويسارا ويقلب كفيه على على ما أنفق عليها وهي خاوية على عروشها.

سأبين أكثر وأعطي مثالا لأوضح سبب هذا العجب. في يوم خميس أحضر تلميذ كراس المحاولات ووضعها على مكتبي. ضمن كراريس الأعمال الإضافية التي يقوم بها التلاميذ كنافلة من العمل. الأمر يبدو عاديا ولا عجب في هذا، فتحت الكراس فإذا به كراسا جديدا مكتوب في أعلى أول صفحة " مراجعة عامة تحضيرا للامتحانات " التاريخ الأربعاء 26 صفر 1431 هـ الموافق لـ 10 فيفري 2010م. ومكتوب في الهامش مادة التكنولوجيا. مادة اللغة العربية. مادة الرياضيات. مادة التربية الإسلامية. كان العمل يتربع على مساحة ثلاث أوراق.

العجب الأول أن التلميذ قد بدأ في المراجعة والتحضير للامتحان قبل ثلاثة أسابيع من موعد الامتحان. والعجب الثاني أنها مراجعة شاملة لمعظم المواد في ليلة واحدة. والعجب الثالث وهو الأكبر أن المراجعة كانت في آخر الأسبوع أي الأيام التي يكرهها معظم الناس لأن طاقتهم قد استنفذت خلال الأسبوع وهم في حاجة إلى الراحة.
سيقول الكثير، ما العجب هنا!. فأقول له: أنت محق إذا كان هذا هو كل شيء، لكن إذا قدمت لك الوجه الآخر فيمكن أن ترى العجب.
الوجه الآخر للأمر بعد مرور الأسابيع الثلاثة وفصلتنا عن ذاك الامتحان ليلة واحدة. سألت تلميذا آخر: غدا عندنا امتحان في التربية الإسلامية والمدنية، هل حضرت شيئا؟ فأجاب: وبكل اختصار، لا.

هنا دائما عند اجتماع الوجهان في موقف واحد يظهر العجب المقيت. العجب الذي سببه الظاهر وقوف الأسرة وتشجيع التلميذ على العمل. أو تراخيها في ذلك. هناك المبالاة واللامبالاة. هذا هو الجواب الصريح. لكن لماذا الوقوف؟ ولماذا التراخي؟  لماذا المبالاة؟ ولماذا اللامبالاة؟ هذا ما يؤرقني.
كيف أن أسرة وضعت ابنها في مدرسة اتفقت معهم من أول يوم على تغيير طريقة التعامل مع طلب العلم من شيء ثانوي أو شر لابد منه، إلى أمر حيوي متوقف عليه ليس فقط مستقبل التلميذ بل ومستقبل الأمة الإسلامية. ثم تتولى بعد ذلك وتنسى. وأرى الأب يقول أنني أريد من ابني أن يشق طريقه في الحياة بكل ثبات وعلم. ثم أجده بعد كل ذلك يحمل مفتاح متجره أو ورشته أو سيارته ويلقي بكل ذلك الحلم وراءه. هنا العجب. أين الاتفاق وأين الحلم؟
وكيف أن أسرة تثابر وتجاهد مع ابنها صباح مساء. همها وشغلها ابنها ودراسته. فأرى التلميذ يقول أبي علمني أمي حَفَّظَتْنِي أخي ساعدني. فأجد أسرة متكاملة مؤمنة بأن التغيير ممكن وأنها ضمن منظومته.

فيا أيها الأب الكريم ويا أيتها الأم الكريمة يا من لا مفر لكم من الإجابة يوم المساءلة ماذا فعلتم بابنكم؟ كيف كان وسعه، وكيف صيرتموه؟ انتبهوا! استفيقوا قبل أن يفوت الأوان.
أيها الأب لو سألناك عن عملك وجهدك من أجل من. لأجبت من أجل أولادي. فانتبه ولا تكن كمن يبحث عن الفائدة وينسى رأس ماله. فيخسر الأهم. حاول أن يكون ابنك جزء من حياتك. كما تراقب حساباتك وحسابات زبائنك ومورديك، وتنظر كل يوم في دفاترك. راقب ابنك وانظر في كل يوم إلى كراريسهم. لا تنتظر من ولد خرج حديثا من اللعب طوال اليوم. أن يذكرك أن له واجب وأن عليه حفظ كذا وكذا..! يقال " إن لم يأتك الجبل فاذهب إليه " اتخذ أنت الإجراء وتقرب من ابنك أعطه أذنك كي يتكلم معك عن دراسته. فأنت الراشد وأنت المسؤول.

أيتها الأم كما تتحكمين في أمور بيتك وتسيرنها بكل دقة لا تهملي أهم شيء أقيم من أجله ذاك البيت. ابنك. كما تراقبين كل شيء راقبي تحصيل ابنك ساعديه إن لم تستطعي فحرضي من هو أعلم منك في البيت على تولي هذه المهمة ولا تنسي أن دورك الرئيسي هو منحك العاطفة التي تجعل التلميذ يثابر ويجاهد من أجلها.

0 تعليقات:

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
الحقول المطلوبة محددة *