{

ربما الحل ليس في التكوين

ربما الحل ليس في التكوين

  • مشاركة المقال :

ربما الحل ليس في التكوين

التكوين وسيلة "مغبونة" في ثقافتنا التربوية حيث نحمّله ما لا يحتمل ونرجو من ورائه ما لا يمكنه تحقيقه لوحده. واعتبرناه رهانا لضمان الأداء في حين أنه ليس سوى مساعد على تسهيله. فنجد الكثير من مسؤولي المدارس في هذا الوقت الحرج -قبيل انطلاق الموسم الدراسي-لا يهنأ لهم بال حرصا على "تصميم" البرنامج التكويني لبداية الموسم الدراسي[1]. فيسعون وراء كل من يظنون فيه معرفة أو خبرة من أجل تقديم مداخلة أو محاضرة -تسمى في اعتقادهم "تكوينا"-قد تساعد على تطوير أداء طاقمه التربوي[2] من جهة، وإسقاط المسؤولية عنهم من جهة أخرى. فإذا ابتسم القدر لهؤلاء المسؤولين فإن أحسن نتيجة يمكنهم تحقيقها هي برنامج زمني يحتوي رزمة من المداخلات المركزة أو المشتتة في تناول موضوع التربية والتعليم.

 

إلا أن الأمر في حقيقته مخالف لذلك! فالتكوين ليس أداة سحرية، بها فقط يُقوّم أداء الطاقم التربوي ويُحسّن، بل هو أداة من بين مجموعة الأدوات التي على المدارس الاهتمام بها، الاستفادة منها وفق شروطها المطلوبة، من أجل الحصول على تأثير إيجابي فعال على الأداء. فالمسؤولون الذي يوعزون تدني أداء طاقمهم التربوي إلى نقص التكوين، ونذرة المكونين، أو ارتفاع تكاليفه، وعدم قدرة مدارسهم بالتبع على تقديم تكوينات مستمرة. هم مخطئون في هذا الصدد. فليس تدني أداء الطاقم التربوي ناتج حتما عن نقص التكوين. ولإثبات هذا علينا أولا أن نفهم العوامل المؤثرة على الأداء.

 

إن قصور نظر هؤلاء المسؤولين نابع عن ربط مختزل بين جودة الأداء وكمية المعارف والمهارات. ففي تقديرهم أن كل تدني في الأداء هو نقص في المعارف والمهارات. فلهذا نجدهم يميلون إلى التفكير الفوري في المحاضرات اللامحدودة والدورات التدريبية السريعة، الكل يبحث عن تكديس أكثر للمعارف والمهارات. إلا أن الأصل هو التركيز في البحث عن أسباب ضعف الأداء وتحليلها. فأداء الطاقم التربوي في الأصل متأثر بنوعين من العوامل وفق نموذج "توماس غلبرت" لتوجيه السلوك[3].

 

1- عوامل البيئة (عوامل خارجية): (المعلومات، الموارد، الحوافز والعواقب) إذا لاحظنا جيدا فهي عوامل متعلقة بمكان العمل، ولا يستطيع الفرد السيطرة عليها بمعنى أن هذه العوامل إذا كانت تؤثر سلبا على الأداء فالتكوين هنا سيكون غير مجد تماما لأننا بحاجة إلى أنظمة عمل تضبط هذه العوامل.

 

*  المعلومات: تعني أن يكون لدى الفرد، معلومات واضحة عن الأداء المطلوب ومعايير مفهومة عموما، ومعرفة "ما هو العمل الجيد،" "وما هو العمل غير جيد"، وتغذية راجعة عن أدائه من قبل مسؤوليه أو زملائه، وإمكانية الوصول إلى المعلومة الصحيحة عندما يحتاجها.

الموارد: نظم، إجراءات، سياسات، مراجع أدلة، حجم عمل مناسب، وقت كاف للأداء، إمكانية الوصول إلى الخبراء وبيئة عمل مناسبة (حجم القسم، عدد المتعلمين)

حوافز وعواقب: المكافآت المالية وغير المالية، اعتراف، فرص ترقية، عقوبات لمن كان أداؤهم منخفضا.

 

 2- عوامل فردية (عوامل ذاتية): (معارف ومهارات، قدرات، دوافع) هي عوامل تعتمد على الشخص نفسه. يستطيع الفرد السيطرة عليها، هنا يكون تدخل التكوين مفيدا ومهما. يجدر الإشارة هنا إلى أنه حتى في العوامل الفردية ليس نقص المعارف والمهارات (كما يتصور البعض) هو العامل الوحيد بل هناك إلى جانبه القدرات والدوافع.

 

المعارف والمهارات: تعني تكوين أكثر وأفضل، تطوير مهني، واجبات عمل مختلفة، حضور مؤتمرات وندوات كلها تبني القاعدة المعرفية والمهاراتية عند الفرد.

القدرات: تعني صفات شخصية، أساليب عمل شخصية، قيود جسدية، تحديات عقلية وعاطفية.

الدوافع: تعني مستوى الثقة، قيمة العمل المنظورة، المزاج.

 

من خلال هذا النموذج. يتضح لنا خطأ الفكرة القائلة بأن: تدني الأداء ناتج عن نقص المعارف والمهارات فقط. فهي مختزلة لعدة عوامل أخرى لها تأثير على الأداء. ولقد أظهر بحث أجراه "غلبرت"[4] على مجموعة من الموظفين، أن ما بين 70% إلى 80% منهم أكدوا أن العوامل البيئية كانت من أكبر القضايا التي منعتهم من تقديم أداء أفضل.

 

تذكر أخي المسؤول أن التكوين ليس دائما هو الحل المناسب لرفع أداء معلميك بل هو مساعد على تسهيله. فعوض البحث العشوائي والفوضوي عن مكونين ودورات يمينا ويسارا. ابحث أولا عن أسباب تدني الأداء وحددها بدقة ثم قم بتحليلها. وإذا وجدت أن السبب هو عامل فردي متعلق بالمعارف والمهارات فالتكوين سيكون حلا مناسبا شريطة أن تمرّ على جميع مراحله[5]. وإلا فاعلم أنك تضيع وقت المدرسة وتهدر أموالها وتطلب ما لا يفيد. توقف برهة وحدد أولا هل طاقمك بحاجة إلى التكوين أم بيئة عملك هي التي بحاجة إلى التحسين.

 

 



[1] ليس القصد من تخصيص تكوين أول السنة بالذكر، الإنقاص من قيمته، وإنما جاء ذكره من وحي المناسبة. فلا أحد ينكر ما لهذا التكوين من فائدة للمعلمين الجدد الذين يكونون وبلا شك بحاجة إلى معارف ومهارات. مع التأكيد على وجوب التقيد بكامل مراحل التكوين.

[2] نقصد بالطاقم التربوي كل أطراف العملية التربوية "إدارة-أساتذة-صيانة" ولقد قصدنا ذلك لنلفت النظر إلى التقصير الحاصل في عملية التكوين حيث لازالت معظم المدارس تركز في برامج تكوينها على المعلمين فقط مما يؤدي إلى تدني الأداء في بيئة العمل الخاص بالمعلمين.

[3]ا لأستاذة نادية سعد "دليل تقييم برامج التدريب" ص 12

[4] نفس المصدر السابق ص 13

 [5]يخطئ الكثير عندما يظنون أن التكوين هو مجرد محاضرة يقدمها شخص، بل هو دورة حياة كاملة تمر على 05 مراحل تبدأ بتحديد الاحتياجات وتنتهي بالتقييم. وكل تكوين يختزل أي مرحلة من المراحل هو تكوين ناقص ولن يساهم في تحسين الأداء.

1 تعليقات:

  1. منال سعاد

    السلام عليكم أعجبني مقالكم أستاذ برأيي كل معلم يحب التعليم ويحس أنه خلق ليكون معلما عندما يقرأ المقال سيقول أنك وضعت يدك على الجرح فهنالك عدة عوامل تسبب تدني الأداء وهي ما ذكرتها جزاك الله خيرا.كما أضيف أنه أحيانا تقع بعض مؤسسات التعليم في خطأ وهو وضع برنامج بيداغوجي خاطيء والأستاذ هو من يحاسب على النتائج في الأخير والحل برأيي هو مناقشة البرنامج والطرق المتنوعة لايصال المعلومة بين منظم البرامج والمعلمين سيثمر نتائج رائعة بإذن الله وخير خلق الله كان يتشاور مع الصحابة رضوان الله عليهم ..السلام

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
الحقول المطلوبة محددة *