احمِلْ رايةَ الخُلُقِ العظيم
إنّ الطلاّبَ في حاجة إلى كنفٍ رحيمٍ، وإلى رعايةٍ فائقةٍ، وإلى بشاشةٍ سمْحَةٍ، وإلى وُدٍّ يَسعُهم، وحِلْمٍ لا يضيقُ بجهلِهم و ضُعفهمْ ونُقصهم، في حاجة إلى قلبٍ كبيرٍ يجدون عندهُ دائما الاهتمام والرّعايةَ، والعطفَ والسّماحةَ، والوُدَّ والرّضَا، لأنّ طبيعة النّفسِ البشريّةِ تميلُ إلى اللّينِ، والرّفق والملاطفةِ، والتودُّدِ، والتّعامل بالحسنى، وتنْفُرُ من الشدّةِ والإذلالِ. فكَسْبُ القُلوبِ أهمُّ مِنْ كسبِ المواقفِ.
قال تعالى: " فَبِمَا رَحْمَةٍ منَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ "
وَحتّى لو كان الطّالبُ غيرَ مُنْضبِطٍ، و فِرْعَوْنًا في تَصَرُّفاتِه؛ فإنّ سلوكهُ هذا لا يُعْطي للمعلّم مُبرِّرًا باستخدامِ العُنْفِ معهُ.
قال تعالى: " اِذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشَى " سورة طه (43 ـ 44)
لِهَذا تُعَدُّ المعاملة الحسنةُ من الأساليب التّربويّة النّاجحة، لِمَا لها من أثرٍ جيّدٍ في كسب الطّالبِ، فهي تدخُلُ شغافَ القلوبِ و تُرقّقُها، وتُعَمّقُ المشاعِرَ، وتُرطّبُ الفكرَ ، وتُرْخي السّمعَ، وتشُدُّ الانتباهَ.
إنَّ الامتناع عن الغضبِ هُو قِمّة الأخلاقِ، وهو أعظمُ المكارمِ الخُلُقِيّة التي يتّصفُ بها المُعلّمُ المُتَمَيِّزُ
وَكِرامُ النّاسِ، بل هُو الأخلاق كُلّها، فقد ألْمَحَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى ذلك حين جاءه رجلٌ ووقفَ بين يديْهِ، فقالَ: يا رسولَ الله ما الدّينُ؟
قال: " حُسْنُ الخُلُق ".
فأتاهُ مِنْ قِبَلِ يمينِهِ، فقال: يا رسول الله ما الدّينُ؟
قالَ: " حُسْنُ الخُلُق ".
ثمّ أتاهُ مِنْ شِمالِهِ، فقالَ: ما الدّينُ؟
فقال: " حُسْنُ الخُلُق ".
ثمَّ أتاهُ منْ وَرائهِ فقال: يا رسول الله ما الدّينُ؟
فالْتَفَتَ إليهِ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، و قال: " أمَا تَفْقَه؟ هُوَ أنْ لا تَغْضَبَ!! ". (الحديث مَرْوِيٌّ بالمعنى).
وهكذا يجبُ على المعلّم المُتميّزِ أن لا يُنْهيَ أخطاءَ الطُلاّبِ بعُقوبَةٍ عاجلة، بل يجبُ عليه أنْ يُواجِهَهَا بحِلْمٍ وَ رفقٍ، وحنانٍ و تعقُّلٍ يحدث أَثَرًا في تغيير السّلوكِ إلى الأفضلِ، فالطلاّبُ يكرهون الشدّةَ والقسوةَ، ويميلونَ إلى الرّفْقِ و الوُدِّ و الحنانِ.
لِذا رَوِّضْ نفْسك ـ أخي المعلّم ـ على الصّبْرِ و الحِلْمِ، وعَوِّدْهَا على الرّفْقِ و اللّينِ، وضبط الأعصابِ، و اجعل مزاجك رَهْنَ تَحَكُّمِكَ، ولا تُعاقبْ طُلابّكَ وأنت غضبان، إذا أردْتَ أنْ تتمَيّزَ مَعَ طُلاّبِكَ.
وما أجمل ما قالهُ الإمامُ الشّافعي:
يُـــخــاطِــبُــنِي الــسّـفـيـهُ بِـكُـلِّ قُـبْـحٍ فَــأَكْــرَهُ أنْ أَكُــونَ لَــهُ مُــجِـيـبَــا.
يَـــزِيـــدُ سَـــفَـاهَـةً فَــــأزِيدُ حِـــلْمَــا كَعُـــــودٍ زَادَهُ الإِحْــــــراقُ طِيبَــا.
منقول من كتاب: كيف تكون مُعَلّمًا مُتميّزًا و مُلَقّيًا مُؤَثِّرًا،
لـ : د. محمّد ديماس.
0 تعليقات:
أضف تعليق