…وبالوالدين إحسانا !
بينما أنا في زيارة الوالدين، وبعد الاطمئنان عليهما والحمد لله على ذلك..
هممت بالانصراف ..فعارضت أمي ذلك قائلة: "إنه وقت الصلاة.. لن تلحق الظهر في منزلك.. من الأفضل والواجب أن تصلي هنا ثم تذهب.."
شرحت لها أن لي وعدا عاجلا بعد العصر مباشرة.. ولا يمكن أن أطيل الانتظار للنقل وربما لن أجده..!
فأجابت بمقولتها المشهورة دائما لي منذ أن كنت صغيرا -ولا زلت في نظرها- : " أتزاليت أتادجا أبريد ئلل ، أتزاليت أتادجا أبريد ماني يحصل..."
معناها حرفيا : " الصلاة تجعل ( تخط ) الطريق في البحر، الصلاة تجعل الطريق أينما وقع مشكل.."
فما علي إلا الموافقة على طلبها لأنني لا أستطيع رفض طلباتها..
بعد صلاتي، وتوديعها.. خرجت من المنزل..
بعد خطوات منه، توقفت أمامي سيارة بيضاء.. وكان صاحبها ينبه بمنبه فلم أعر له اهتماما...
فتأخر قليلا وناداني من نافذته باسمي!!
وفتح الباب، وقال لي اركب...
فقال لي: "أنا ذاهب إلى القصر إذا أردت أن أوصلك معي..؟"
يا إلهي ما هذا؟؟؟
أنا لا أعرف هذا الشخص ولم التق به بتاتا..
كيف عرفني؟؟ ولماذا جاء في هذا الوقت المناسب بالذات؟؟؟؟
نفس هذه الأسئلة طرحتها عليه، لأشفي غليلي..
فأجابني:
أولا: أنه كان متوجها في الاتجاه المعاكس لمساري، ولكن جاءه هاتف مستعجل من القصر للقاء شخص هام.. فغير اتجاهه فوجدني فتوقف ليحملني معه لأرافقه.
ثانيا: "وكيف عرفت اسمي؟" أجاب: رأيتك في حصة تلفزيونية بالقناة الرابعة العام الماضي فأعجبت بالحصة...
هنا شكرت الله لأن دعوة الوالدين قد قبلت بإذن الله حيث ظهر أثرها مباشرة بعد اللقاء...
هنا تذكرت قول الله تعالى، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
وقول رسولنا الكريم صلوات الله عليه:
"لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق".
واسمحوا لي إخواني أن أقص عليكم هذه الرواية عن بر الوالدين و التي حدثت في عهد الرسول الأعظم ( والمعذرة لأنني لا أعرف سندا لها ).
حدثني أبو سلمة عبيد بن خلصة بمعرة النعمان ، حدثنا عبد الله بن نافع المدني عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله ; قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ; إن أبي أخذ مالي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل : فأتني بأبيك .
فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله عز وجل يقرِؤك السلام ، ويقول لك : إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ، ما سمعته أذناه ، فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما بال ابنك يشكوك ؟ أتريد أن تأخذ ماله ؟ فقال : سله يا رسول الله ، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إيه دعنا من هذا ، أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك . فقال الشيخ : والله يا رسول الله ما يزال الله تعالى يزيدنا بك يقينا ، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي ، فقال : قل وأنا أسمع . قال : قلت :
غدوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
قال: فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه، وقال: "أنت ومالك لأبيك" .
* ما أحوجنا إخواني للجلوس إلى والدينا كما نجلس إلى بعضنا وعائلاتنا...
* ما أحوجنا لإفراحهم ونزع ما يكدر صفو حياتهم.
* ما أحوجنا لنقول لهم.. شكرا وألف شكرا والدي العزيزين: "وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا".
شكرا مرة أخرى لكل من دعا عن ظهر الغيب لإخوانه المسلمين بالشفاء في مشارق الأرض ومغاربها.
ماشاء الله على الموضوع الرائع والمتميز منك أستاذنا الفاضل .. فحقا ففيه لقد كشفت لنا حقيقة بر الوالدين والحظي بدعوتهما فهما سر الوجود فقد ذكرهما الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بعده مباشرة في العديد من الآيات وهذا مايدل على منزلتهما ولقوله سبحانه:( وعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) فبارك الله في عمركما.... ولكل فرد منا أعزا لهما ...آميـــن يارب العالمين .
والله إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع حينما نسمع موعظة وننصت لذكرى عن حق الوالدين علينا ... وما يقابلونه منّا من جفاء فاللهم غفْراً .... اللهم ارزقنا برّهما وارضهم عنّا... ياكريم.