يا معلمي العالم، ارشدوا (3) : أيَّ تعليم نمارس؟
المنظومة المادية ذات نظام مغلَق لا يمكنها أن تنفتح على عوالم لانهائية، لأنها باختصار لا تؤمن إلا بالمحسوس والمحسوب، وبالمادي والمستدل عليه، أي إنها منظومة لو رُسمَت لكانت جسمًا على شكل رأس كبير، لا مكان للقلب فيه ولا للأحاسيس ولا للقيم.
وظلُّ المنظومة الغربية، مما يصل الشرقَ المولوع بالتقليد، هو صورةٌ مشوَّهة لأصل أعوج؛ فهنا نشاهد ما يشبه الرأسَ، وشيئًا شبيهًا بالعقل. وما من شك أن ظل الشيطان هو شيطان مشوَّه؛ فلا هو إنسان مكتمل الإنسانية، ولا هو شيطان مكتمل الشيطانية، والمقرَّر -عقلاً وواقعًا- أنَّ الظل دائمًا هو أهون وأسوء من أصله. يقول الأديب العالمي "فيكتور هيجو": "الأسد الذي يقلِّد أسدًا آخر، هو في حقيقة الأمر قرد".
ومن ثم جاء التعليم؛ الذي ورثناه من منظومة المستعمِر، كما ورثنا الملفّات الكبيرة الطويلة العريضة، التي نكتب عليها تقارير الدرس، بخطٍّ معيَّن، وشكلٍ معيَّن، ولغة ميتة معيَّنة مسبقًا... رغم أن الأصل اليومَ يعلن احتضاره وإفلاسه. ولقد شاهدنا ما حدث في أمريكا منذ أيام، مِن مقتل ثمانية وعشرين شخصًا، منهم تلاميذ، على يد شاب قتل والديه أولاً، ثم قضى على الباقين.
هذا الميراث يعتمد على "الشيء" و"المادة" و"التقنية" و"المعلومة"، أي هو حريص على "صناعة" الإنسان الذي سينتج ويصنع ويقول "نعم" إذا اقتضى الأمر؛ وهو يدير ظهره "لله" و"للإنسان" و"للكون" و"للقيم" و"للفن" و"للأخلاق"...
ولذا، فإن التعليم بهذا المدلول وبهذه الخلفية الكونية، لا يمكنه أن يرتقي بالناس، ولا أن يجعلهم أفضل مما هم عليه، أو أكثر حرية، أو أكثر إنسانية... "إن هذا العلم يجعل الناس أكثر قدرة، أكثر كفاءة، أكثر نفعًا للمجتمع، ولقد برهن التاريخ على أن الرجال المتعلمين والشعوب المتعلمة يمكن التلاعب بهم، بل يمكن أن يكونوا أيضًا خدامًا للشر، ربما أكثر كفاءة من الشعوب المتخلفة".
هذا حكمٌ على الأصل، فما هو القول في الظل والفرع، الذي يعيق الكفاءة باسم العصر، ثم يقتل الإنسان باسم التطور؛ فلا هو -مثل سيده- يحقق القدرة على الإنتاج والصناعة، ولا هو مثل أجداده يحقق الذات الحضارية ويعبِّر عن الحرية والوجود الواعي.
...يُتبع
-----------------------------
يا معلِّمي العالَم، ارشُدوا! (1) : الصبيانية وروح العصر
يا مُعَلِّمِي العالم أرشدوا (2) : من ضغط البرنامج إلى ضغط الروح
0 تعليقات:
أضف تعليق