{

مفدي زكرياء بين مُنصفٍ ومُجحفٍ

  • الرئيسة
  • مفدي زكرياء بين مُنصفٍ ومُجحفٍ
مفدي زكرياء بين مُنصفٍ ومُجحفٍ

  • مشاركة المقال :

مفدي زكرياء بين مُنصفٍ ومُجحفٍ

كلّ عظيم لا بدّ له من منصف ومجحف، فالأوّل يُعمل عقله في إنصافه، والثّاني لا تبرح العاطفة أحكامه، ومِن بين مَنْ تداول بين هذا وذاك، شاعر الثّورة الجزائرية (مفدي زكرياء). 

 

فنجد البعض أنصفه بموضوعية والبعض الآخر شنّ عليه حملة شرسة، دون تنقيب في أعماله، فكانت العاطفة هي الحَكَمُ في الْحُكْمِ عليه، حيث هُوجِمَ "مفدي" ادعاءً أنه أقسم بغير الله في نشيده الوطني حين قال:

 

قسمـا بالنّـازلات الـماحقات             و الـدّماء الزّاكيات الطّـاهرات

 

والغريب فِي الأمر أنّ الذين يدّعون هذا الادعاء لا يتذوّقون الشّعر ولا يفهمونه بل لا يستطيعون التّمييز بين الموزون والمختل، وإنّما انطلقوا في نقدهم من فكرة الهجوم والانتقاص ومن فكرة جماعة أو حزب أو... أو...، فحسبنا أن نبيّن ما علق في الموضوع من لُبْسٍ، عَلَّنَا نُعيد بعض الاعتبار إلى الشاعر الكبير "مفدي زكرياء"، الذي قلّ مثيله في هذا الزّمن. فحينما يقول شاعرنا:

 

"قسما بالنّازلات الماحقات" ... فالمقسم به هو "الله" محذوف، تقديره موجود ويكون التّقدير كالآتي:

 

"قسما بالذي أنزل النّازلات الماحقات"، والنّازلات هي الرعد والبرق والمطر... والماحقات هي الماحيات التي تمحو الظلم، وللضّرورة الشعرية، وحفاظا على وزن القصيدة حُذف المقسم به " الله " أخذا بالقاعدة القائلة "يجوز للشّاعر ما لا يجوز للنّاثر"، وشاعر ثورتنا ليس بالذي يغفل عن مثل هذه الأخطاء.

 

إضافة إلى ما تقدّم نَلمَسُ في قصائد "مفدي" تشبّعا من العقيدة الصّحيحة، بعيدا عن النّفاق والمجون اللّذين هما ديدن بعض الشّعراء، ألم يقل مفدي في إحدى قصائده:

 

شربت العقيدة حتّى الثّمالة                   فأسلمت وجهي لربّ الجلاله 

 

إلى أن قال:      هو الدّين يـغمر أرواحـنا                   بنور اليقين و يُـرسي العداله      

                  إذا الشّعب أخلف عهد الإله                  وخـان العقيدة فارقب زواله

 

ثمّ في أبيات أخرى ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ نرى الشّاعر "مفدي" يصول ويجول مقتبسا من آيات القرآن الكريم، 

 

فهو القائل: وأخرجت الأرض أثـقالها                   فطـار بها العلم فوق الخيال

                   تُـوفي للشّعب أقـداره                   وتكفي الجزائر ذلّ السّؤال

 

الموضوع قاعدة لمن أراد التّثمين، وتـراث "مفدي" بحر مليء بالدّرر، على المهتمين الغـوص فيه لانـتقاء ما يشفي الظمأ، والتّجرد من العواطف عند دراسة أدبه، حتّى لا نبخس النّاس أشياءهم.

 

5 تعليقات:

  1. ابن صالح إبراهيم

    بورك فيك أخي وزميلي العزيز إبراهيم حقّا لقد بيّنت لنا بالتّدقيق وبالبيان والشّرح ما لبس على كثير من الناس حينما سمعوا بهذا الاتهام من بعض المجحفين، فبارك الله فيك وجزاك الله خيرا وإلى مزيد من الكتابات أخي العزيز

    hadjout ilyes

    ماشاء الله معلمي لولاك لما نورت دربي. حقا مقالة رائعة تدل على قوة شخصيتنا الميزابية

    أبي بكر الصديق بن أحمد خرازي

    صدقت يا صديقي العزيز إبراهيم في اقتناصك لهذه اللقْطات التي لطالما عبث بها العابثون، فلقد أخرجت هذة الجوهرة من صدفتها فأنرت بها العالمين ن خلال شرحك لطياتها، فبارك اله فيك مرّة أخرى وجزاك الله عنا كلّ خير.

    محمد الشيخ بالحاج

    قسما بأن الأستاذ إبراهيم ومعه إبراهيم الثاني رائدا الأدب العربي في مؤسستنا، هما عملاقان نائمان على كثير من الدرر الّأدبية، التي لم يتحركا بعد لإظهارها، ونقليد صدر الأدب بمنتجاتهما. فهنيئا لك أخي إبراهيم على هذا المقال الرائع، الذي أزلت به لبسا كان بالنسبة لي سؤالا محيرا رغم يقيني بأن شاعرنا المفدى ليس بالذي تغيب عنه المسائل المتعلقة بالعقيدة أصلا. فمزيدا من الإنتاج الأدبي في القريب، ونحن ننتظره على أحر من الجمر بعد أن أريتنا عذبه.

    bouhedli mohamed nassim

    جزاكم اللهُ خيرًا شكرا لكم

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
الحقول المطلوبة محددة *