{

كيف أحضّر وجبة بنفسي

كيف أحضّر وجبة بنفسي

  • مشاركة المقال :

كيف أحضّر وجبة بنفسي

هذا اليوم، ليس كغيره من الأيام، إذ قام تلاميذ قسم الرابعة ابتدائي بإنجاز مشروع تعليمي لطالما انتظروه منذ مدة، وهو مشروع " كيف أحضّر وجبة بنفسي".

 

بدايتها كانت بتقسيم التلاميذ إلى أربعة أفواجٍ، كلّ فوج يقوم بتحضير طبقٍ على النحو التالي: الفوج الأوّل: طبق رئيسي، الفوج الثاني: طبق سلاطة، الفوج الثالث: تحضير كعكة، الفوج الرابع: تحضير العصير.

 

قبل يومين, وزعت على كل تلميذ ورقة - يستعين بعائلته في ملئها- يقترح فيها نوع من الأطباق وكيفية تحضيره، والمواد اللازمة لذلك، كلٌّ حسب فوجه. وعند ارجاعها في اليوم الموالي، قام كلّ فوج بالاتفاق واختيار احدى هذه الاقتراحات، وبعدها تمّ تقسيم المهام: أي كل واحد بماذا سيساهم مع زملاءه لإنجاح ورشته.

 

وتم الاتفاق على: طاجين زيتون كطبق رئيسي، و سلاطة بالمايونز والزيتون، وكعكة مادلين، مع عصير الكوكتال. ثم طلبت منهم أن نتشارك جميعا في احضار ثلاثة أشياء أساسية وهي: اللحم و البطاطا و البرتقال، كي تكون الكمية كافية للجميع.

 

وفي الغد ما أن دخلت القسم حتى فاجئني الجميع بما أحضروه، كلٌّ يحمل كيسا أو أكثر، هذه أحضرت خضرا وفواكه، وتلك علبة بيض وذاك كيس خبز وآخر خلاطا كهربائيا... كلٌّ ساهم وجاد بما استطاع، و إنه لدليل على سخاء الأولياء وكرمهم ومساهمتهم في نشاطات أبنائهم ومؤسستهم، فاللهم اخلف عليهم من رزقك الواسع الجزيل يا ربّ.

 

انتقلنا إلى مطبخ المدرسة، أين سيشهد اليوم على غرار العادة ضيوفا جدد ليحضّروا فيه ما ستجود به أناملهم من أشهى الأطباق و ألذّها، فقمنا بتحضير الطاولات واقتناء الأواني اللازمة ثم توزيع المقتنيات على كل ورشة، انطلقنا على بركة الله في العمل.

 

وقبل ذلك حرّكت بينهم التنافس الشديد فقلت: " سنرى أحسن مجموعة....وهي التي تحضّر أشهى طبق..."، فانطلق الجميع كخلية النحل لايعرفون التوقف برهة أو التواني لحظة....كل يعمل بشغف يتمنى أن يرى ثمرة جهده. فكم اشتكوا من تعرجات البطاطا و كيفية تقطيعها، ومن رائحة البصل فأعينهم حمراء لا تكفّ عن السيلان، وأنوفهم كذلك، أشفقت عليهم وقلت ربما سيستسلمون، إلا أنهم بالعكس تماما، وما توقفوا إلى أن وضعوا............فوق الفرن،

 

فتيقنت حينها : أن لو تعلّقت همّة ابن آدم بالثريا لنالها...بالإرادة  والاصرار لتحقيق الهدف. وآخرون مع الكم الهائل من حبات البرتقال يغسلونها ثم يقشرونها لعصرها، وورشة السلاطة مع غلي البيض و تقطيع الجزر والخيار...حتى أكملوا، وورشة الكعك مع خلط البيض والسميد....الخ إلى أن أدخلوا الطبق في فرنه....ينتظرون طهيه...حتى يخرجوه ليسقوه بالشاربات.... كل يعمل في عزيمة واصرار وتنافس دون شجار... وأنا أتجول بينهم أبيّن وأشرح وأوّجه... إلى أن أتمّ كل فريق عمله وحضّر ما يجب عليه تحضيره... ثمّ تعاونوا جميعا في تحضير الخبز والصحون ومكان للجلوس.

 

 ما أشهى الروائح التي تتصاعد من هنا....تسوق أنف من شمّها رغم أنفه إلى مصدرها، ليتبين أحقيقة هذا أم وحم منه، وسط حيرة من أمره: ماذا يفعل التلاميذ في المطبخ؟، ثمّ يأمر دون أن يشعر: " أتركوا لي قسطي...بعد الدوام سآكله، آه...لو تنسوني".

 

وفي الأخير....لمّا تمّ التحضير، حان الآن موعد الحسم، ليتلذذ كل واحد بما حضّرت يداه، قسمتهم إلى مجموعات ثم وزعت عليهم الأطباق وقبل الأكل يجب أن ندعوا الله بدعاء الأكل كما علّمنا رسولنا عليه السلام، لقد كانت وجبة دسمة متنوعة تنوع أطباقها: طبق رئيسي (طاجين زيتون مع اللحم) يسيل لعابك لو أصف لك طعمه ورائحته، سلاطة تسلب الانظار في ترتيبها وروعة ألوانها، عصير لا يوصف مذاقه (كمًا ونوعًا)، كعك المادلين لم أصدّق أنّ مكان الصنع: مطبخ تاونزة....كل هذا أمام عيني بأنامل تلاميذ قسمي الرابعة ابتدائي، كم يسرني وأنا أنظر إليهم وهم في قمة النشوة والفرحة لا تفارق محياهم ، إذ لم يصدقوا أنهم هم من حضّر كل هذا.... وأكيد أنهم سيزاحمون أمهاتهم في المطبخ الليلة إن لم أقل سيعوّضنهن. ...حقا يوم مميز قضيته اليوم مع تلاميذي....

 

شكرتهم في الأخير على حرصهم وتفانيهم في العمل و بشّرتهم أنهم كلهم فائزون، إذ لم أستطع تقييم أحسن فوج فكل طبق تأكله ينسيك في الذي سبقه، وهذا بشهادة الأساتذة كلهم، وذكرتهم بدور الأم التي تتعب من أجلنا كل يوم في تحضير الوجبات وكم يلزمها من جهد، والأب الذي يوفر لنا كل أنواع المأكولات والمشروبات من أجل أن نحيا أصحاء أقوياء.

 

فاللهم احفظ والدينا، وارزقنا برهما أبدا، واحفظ لنا أبناءنا التلاميذ ونجحهم في دراستهم

 

يا ربّ العالمين...آمين.

2 تعليقات:

  1. AISSA

    شكرا لك أستاذ نور الدين نسأل الله التوفيق و السداد.....ودعواتكم

    seba nour

    نجاح التجارب بالتخطيط المحكم منذ البدء فبورك فيك أخي عيسى على هذا المنهج الذي وضعته لتجسيد هذه التجربة المحكمة بهذا يتعلم التلميذ كيف يخطط و يحضر قبل أن ينجز أي عمل كان وهذا من أسرار النجاح والمرور عبر المراحل اللازمة لتجسيد أحسن والحصول على نتائج رائعة ومبهرة ولا ننسى فضل الأولياء الذين فتحوا أبواب العلم لأبنائهم بتوفير كل مايلزم للتعلم في جو من المتعة والحيوية فمزيدا من التألق و النجاح

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
الحقول المطلوبة محددة *