{

"مانيفستو" المدارس العلمية (أو البيان الرسمي)

  • الرئيسة
  • "مانيفستو" المدارس العلمية (أو البيان الرسمي)
"مانيفستو" المدارس العلمية (أو البيان الرسمي)

  • مشاركة المقال :

"مانيفستو" المدارس العلمية (أو البيان الرسمي)

ما المدارس العلمية؟


سؤال يتبادر إلى ذهن القريب والبعيد، المتعامل وغير المتعامل، المشتغل بالتربية والتعليم وغير المشتغل... وهو سؤال مشروع، ذلك أنَّ عقل الإنسان وضميره – ما لم يتشوَّه – مجبول على الوضوح، وعلى إلحاق الشيء المحسِّ المدرَك باللفظ والمصطلح والمفهوم المناسب؛ بخاصَّة إذا كان ذلك الشيء مما يعنيه، ومما يتقاطع مع مصالح حياته الفردية والجماعية...

 

ومَن منَّا لا يعنيه حال الأمَّة ومستقبلها، وحال الذرية وصلاحها؟

 

المدارس العلمية: هي سؤال، وإمكان، ومبادرة، وبذرة، ونموذج... هي قبل ذلك هجرة، ووجهة، ودعاء، وقربة، واستجابة، وسير حثيثٌ في طريق الرضا، رضا الله سبحانه...
******

المدارس العلمية:

 

*هي سؤال، ذلك أنَّ اعتقاد الجواب إعلان للنهاية، وغرور وادعاء ممقوت؛ ولا ريب أنَّ التخلف والتبعية والجهل والفقر... وكلَّ مظاهر الذلِّ والهوان، تحتاج إلى سؤال عن السبب، والسببُ في حالنا هو "المدرسة"، فإذا صلحت صلح حال الفرد والمجتمع، وإذا فسُدت كان حالها أسوء وأنكى؛ ولكن كيف يتمُّ ذلك؟ وبأيِّ منهج؟ وعبر أيِّ مراحل؟ وما مساحة الأثر والتأثير؟ وما هي العاقبة؟... كلُّ ذلك يأتي على صيغة "سؤال" أي على شاكلة "مدارس"، هي المدارس العلمية، بكلِّ أشكالها، وأسمائها، وألوانها، وأنواعها...

 

*هي إمكان، ذلك أنَّ خطاب الاستحالة، واستحالة الخطاب؛ وإعلان الإفلاس، وإفلاس الإعلان؛ وتسويد الأوجه، وأوجه التسويد؛ كلُّ ذلك بات عقيدة راسخة في كثير من السياقات؛ حتى يئس الناس من مستقبلهم ومن حاضرهم، وساورتهم الظنون حول الماضي؛ فباتوا كورق الخريف، جفَّ فخفَّ، وفار فطار، ثم داسته الأقدام، وانمحى أثره، فذهبت ريحه... وتأتي المدارس العلمية مذكِّرة بالإمكان، محاربة للاستحالة؛ مبشِّرة بغنى الأمَّة، وببياض الوجه، لو صدقت النوايا، واستجابت الجوارح والأركان.

 

*وهي مبادرة، تزَع الناسَ نحو الخير، وتدعوهم إلى التشارك في الفكر والفعل، وإلى نبذ الخنوع من أيِّ لون جاء؛ فالمبادرة هي وقود التغيير، وهي الدليل على أنَّ الجسم - جسمَ الفرد، أو جسم المجتمع - لا يزال ينبض بالحياة، ولا يزال يرتبط بأسباب الحيوات... ونحن على يقينٍ كامل أنَّ جسمنا لا يحتاج إلاَّ إلى بعض الحركات، حتى يستوي على سوقه، ويقوم على رجليه؛ كما كان يوما ما قائما قيِّما.

 

*وهي بذرة، تحمل خصائص الرشد، وتقبل أن تدفَن ذاتها في التراب، إلى حين الانتشاء... إلى حين اهتزاز الأرض وربوِها؛ ثم تخترق حجبَ الظلام إلى ساحات النور، فتورق ثم تثمر، وتنبت من كلِّ زوج بهيج؛ وفي الإمكان نقل البذرة إلى حقول أخرى، أو إلى جغرافيات نائية، أو حتى عبر أزمنة متباينة عديدة...

 

*وهي نموذج، في التغيير الهادئ، على نوطة "أمواج القاع"، وليس على شاكلة "أمواج السطح"؛ فالثورة والانقلاب والإقصاء هي كلمات لا توجد في قاموس "نموذج الرشد"؛ و"نموذج الرشد" ليس هو المجموع أو الكلّ، وليس هو الأفضل أو الأحسن، وإنما هو "نموذج" لا "النموذج" - بالنكرة لا بالتعريف -...

 

*وهي قبل ذلك هجرةٌ، ووجهةٌ، ودعاءٌ، وقربةٌ، واستجابةٌ، وسيرٌ حثيث في طريق الرضا، رضا الله سبحانه:
إذ ما قيمة المدارس العلمية إذا هي لم تكن هجرةً في الله، ولله، وبالله، وإلى الله؟

 

وما الحاجة إليها إذا لم تحقق مدلول "قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين"؟
وما ضرورة وجودها والعناء لأجلها إذا لم تدرك مغزى "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم، فقد كذبتم، فسوف يكون لزاما"؟

 

وما الفائدة المرجوة منها إذا لم تنو معاني "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"؟

 

وما المبرر لوجودها أو بقائها إذا هي لم تستحضر في كلِّ آن أبعاد "ورضوان الله أكبر"؟

********

 

*المدارس العلمية، من يوم نشأتها، تراوحت بين محبٍّ ومبغض، مدافع ومناهض، قابل ورافض... شأن كلِّ عمل بشريٍّ ... لا حرج في ذلك... لا عتبَ.. لا لوم...

 

*غير أنَّ المدارس العلمية، ترفض الحبَّ العاطفيَّ، كما تشجب البغض العاطفيَّ؛ وتتقبل كلَّ دفاع أو مناهضة يقومان على دليل وحجَّة وبرهان؛ وترحِّب بكلِّ قبول أو رفض إذا كان بالجهاد والعمل واقتراح الأفضل، لا باللغو والمكاء والتصدية... فلا مرحبا بالصفير والتصفيق؛ ذلك أنَّ أوان الهرج والمرج قد ولَّى، وحانت ساعة الحقِّ والصدق...

 

*ومِن ثم فإنَّ المدارس العلمية، بعد أزيدَ من خمس عشرة سنة، من يوم ولدت باسم "الثقافة الجديدة"، وبرعاية "مكتب الدراسات العلمية"؛ إلى يوم صار لها فروع في كامل تراب الوطن، بأسماء مختلفة، وإدارات مستقلَّة، وأشكال ملوَّنة، ومستويات متباينة... مِن يومها إلى يومنا، لا يحقُّ لها – ولنا – أن تعلن – أو نعلن – الانتصار، أو تغترَّ – أو نغترَّ - بالمحصول، أو تدعي الأفضلية على غيرها... فهي – ونحن – جزء من كلٍّ، قطرة من بحر، نسمة هواء من جوٍّ فسيح، ذرةٌ من فضاء، حرفٌ مِن لغة...

 

*وإنَّ المدارس العلمية، لتعتقد أنَّ ما هو آت أكبرُ مما مرَّ، وأنَّ الأهمَّ والأصعب لـمَّا يُقتحم بعدُ، وأنَّ المثابرة والديمة هي رأس مالها، وهي إيقاع مسيرها، وهي ضمان نجاتها، بحول الله تعالى... فلا قفز، ولا وطوطة، ولا سير على الوجه، ولا مشي على الأعقاب... ما دام الطريق، طريقُ الحقِّ، سالك واضح بيِّن... "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني"، "فاستقم كما أمرت، ومن تاب معك، ولا تطغوا".

 

*والمدارس العلمية، ليست مدارس تجارية خاصَّة، تعتمد الريْع والفائدة والغنى؛ وإنما هي مؤسَّسات تسعى لذاتية التمويل، كما تجتهد في ذاتية اتباع الأسباب؛ ولا لوم عليها إذا أخطأ البعضُ الفهمَ، أو أثار آخرون شبها وشبهات، هي منها براء براءة الذئب من دم يوسف، أو براءة يوسف عليه السلام نفسُه، من تهمة امرأة العزيز...
ثم ليس لها، أن تبرِّر للناس، أو تشرح لهم، ما دامت نقطة ارتكازها هي "محلُّ عين الله تعالى" أين تقعُ، والله سبحانه لا تخفى عنه خافية... ولكنَّ يسرُّها أن تقول للمرجفين، بقلب سليم: "لا عليكم"، وتردد مع نبي الله قولته: "لا تتريب عليكم اليوم يغفر الله لكم"... فلا حقد، ولا تبعة، ولا متابعة... ولكنه الصفح والعفو والغفران...

 

*المدارس العلمية، ليست بديلا عن المدارس الرسمية، ولا هي بديل عن المدارس الحرَّة؛ وإنما هي أخت صغرى لها، تقرُّ لها بالسبق والأولوية والفضل؛ ولا تتنكَّر لجميلها، ولا تعمل على إزالتها، ولا تؤمن بما يقال عنها أو يكال لها من تهمٍ، مهما بلغ مداها... فالمدارس الرسمية هي الوعاء الأكبر في هذا الوطن العزيز، الجزائر... والمدارس الحرة، هي الوعاء الأكبر في سياق جمعية العلماء سابقا، ووادي ميزاب حاليا... وإذا كان أحدهما أبا، والثاني أمًّا؛ فالعلمية بنت صغرى أو ابن صغير... ينسب كلُّ الفضل لأصله... ولا حرج....

 

المدارس العلمية، باعتبارٍ، هي فرع من شجرة، بها العديد من المشاريع والمبادرات والمحاولات، وعلى رأسها معهد المناهج، ودور القرآن، والمجمع العلميُّ، والخلائف، وبيوت الطلبة، وفييكوس، ووسام العالم ، وإسهام، وكتابك، وصالون القراءة، وآفاق، والمعتكَف البحثيُّ... وغيرها مما هو نبضٌ من قلب، ونفَس من رئة، دمُها وهواؤُها هو "نموذج الرشد"، لا صلة بينها إلاَّ في الروح وفي المعنى، وفي كليات المنهج... أمَّا سوى ذلك، فلكلٍّ منها مسلك، ولكلٍّ منها سبيل...

 

*والمدارس العلمية، تحيِّي جملة من المشاريع والمؤسسات القريبة منها، والتي تعترف لها وتعرف قدرها، وتقرُّ أنَّ ثمة رحمٌ بينهما؛ بخاصة منها:

 

- وزارة الترتبية والأكاديميات الولائية: وهي التي دوما وقفت إلى جوارها، وأمدتها بيد سخية من التفهم، ومن التسامح، ومن التعاون المثمر؛ والحقَّ نقول: إننا لم نشهد منها يوما ما يشين.

 

- الخدمة: بكلِّ مشاريعها، ومؤسَّساتها، وامتدادها الكونيٍّ؛ وهي لا مثيل لها اليومَ في العالم أجمع في حقل التربية والتعليم، النابع من روح الهجرة...

 

- مدارس ومعاهد المنار: التي هي شمس في سماء الدعوة والتعليم، وقمر ينير درب المجتمع، وغد مشرق لجيل ذهبيٍّ جديد، يصنع على قدر...

 

- معاهد عمي سعيد، والحياة، والإصلاح... وغيرها من المعاهد العلمية: التي ولد منها رواد المجتمع عبر التاريخ، ولا تزال ولن تزال محطَّ الرجاء في نهضة جديدة تنعم بها الأرض والبلاد، والأهل والعباد...
ومؤسَّسات كثيرة أخرى، لا يسمح المجال بسردها اسما، ولا تعيينها رسما؛ ولكن لها الفضل، وحقُّها مصون، وأجرها على الله تعالى واقع...

 

ولا يجوز للمدارس العلمية أن تجحد آباء لها كثر، "منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر"؛ من علماء ورواد مباشرين وغير مباشرين، يكفي أن يمثَّل لهم ببعض ليكونوا دليلا على الكلِّ: الشيخ عدون، الشيخ حمو فخار، الدكتور محمد ناصر، أعضاء المجمع العلميِّ... أمَّا من مصادر المنظومة معرفيًّا وفكريًّا، فمنهم: مالك بن نبي، فتح الله كولن، علي عزت بيجوفيتش، محمد مهاتير، طارق رمضان، عمرو النامي، كارل بوبر، هوستن سميث... وغيرهم كثر... ممن لهم أثر، وبصمة، وحضور، في فكر المنظومة، ومن ثم في فكر المدارس العلمية التي هي الوجه التربوي لهذه المصادر النيرة...

 

وتبلغ المدارس العلمية، بالمناسبة، تحية للعلماء الجزائريين المكرَّمين (بوسام العالم الجزائري)، الذين حركوا همم التلاميذ والأساتذة والأولياء، وكانوا لهم منارات وعلامات... بها يهتدون... وإليها يرنون... وفي فلكها يسبحون...

 

*******

 

ثم ماذا؟

 

ثم إنَّ الأمَّة تتعرَّض لمنعرجات خطيرة كثيرة، ويحاك لها في الظلام ما يحاك، من فتن ومحن وصور للإذلال وزرع للشنآن... ولقد نجح الشيطان في بعض مهامِّه، ولا ريب... وهو بذلك فرح فخور... إلاَّ أنَّ:

 

- حسن الظن بالله أوَّلا،
- ثم تحريك همم الرجال والنساء ثانيا،
- وصناعة الإنسان الراشد ثالثا...

 

كلُّ ذلك، بحول الله تعالى، كفيل بإحباط هذه المكائد، وجدير بإغاضة الشياطين: "شياطين الإنس والجنِّ" على السواء... ولا خير في فرد، أو مجتمع، أو مؤسَّسة، أو مشروع، أو فكرة، أو حركة، أو رأي، أو دينار، أو نية... لا تصبُّ دلاءها في هذا المحيط، ولا تهاجر إلى هذه الوجهة...

 

ولا يعنينا بعد ذلك:

هل يتحقق المراد أم لا؟ هل نصل إلى آخر الطريق أم تنقطع أنفاسنا أوان السير؟ هل نبلغ المنى أم تخيب الظنون؟

ولا يهمنا متى يكون النصر؟ على يدنا أم على يد أجيال ستأتي بعدنا؟ وفي أيِّ البلاد والجغرافيات يكون؟...
ذلك أنَّ غايتَنا، ورسالتَنا، وأهدافَنا، وأعمالَنا، وأفكارَنا... كلُّ ذلك يقاس بمقياس، ويوزن بميزان... لا يخطئ أبدا،

إنه قوله تعالى: "ومَن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت، فقد وقع أجره على الله"،

وقوله سبحانه: "والذين جاهدوا فينا، لنهدينهم سبلنا، وإنَّ الله لمع المحسنين"...

وهو قوله عليه السلام: "فضلُ العالم على العابد كفضلي على أدناكم"،

ثم هو قوله فداه روحي: "إنَّ الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير"...

اللهمَّ، فاشهد...

----------------------------------------------------------------------------------
- المانيفستو أو البيان الرسمي:بالإنجليزية: manifesto هو إعلان منشور يتضمن نوايا أو دوافع أو آراء تخص ناشر البيان، وقد يصدره فرد أو مجموعة . يتقبل المانيفستو عادة الرأي السابق أو الإجماع العام، و/أو يدعم فكرة جديدة فيها مفاهيم مطروحةٌ، لتعطي تغييرًا يعتقد مصدر البيان بضرورتها.
الوطوطة: صوت الجبان؛ صوت الخطاف؛ صوت صياح الطفل باكيا. وطوط الرجلُ ضعف.

----------------------

المصدر : موقع فيكوس

0 تعليقات:

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
الحقول المطلوبة محددة *